«ليس هذا زمان العرب» .. جملة تعبر عن لسان حال ملايين العرب من عشاق كرة القدم، الذين خذلتهم بطولة كأس الأمم الإفريقية «أبيدجان 2023»، فكل المنتخبات العربية خرجت مبكرًا في هذه النسخة، كان المنتخب المغربي آخر المغادرين العرب للبطولة، عقب خسارته أمام نظيره الجنوب إفريقي بهدفين نظيفين في دور الـ16، وسبقته منتخبات مصر وتونس والجزائر وموريتانيا.
المغرب المرشح الأقوى يغادر مبكرًا
منتخب المغرب على سبيل المثال كان من أقوى المرشحين للتتويج باللقب، خصوصًا بعد أدائه الرائع في النسخة الأخيرة من كأس العالم «قطر 2022»، وبلوغهم الدور نصف النهائي، وفوزهم على عمالقة القارة العجوز بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، ووقوفهم أمام فرنسا بطلة نسخة مونديال 2018 في نصف النهائي ندًّا بند، فضلا عن اكتمال صفوف الفريق بلاعبين محترفين ومميزين في كل المراكز، لكن هذه هي كرة القدم، كان لها شأن آخر مع «أسود الأطلس».
مصر و«عقدة الخواجة»
في مصر تعالت الأصوات المطالبة برحيل البرتغالي روي فيتوريا، المدير الفني للمنتخب الوطني، بعد سلسلة من الإخفاقات خلال مشواره مع الفريق، وعدم تحقيقه أي فوز خلال المشاركة الأخيرة في هذه النسخة من بطولة كأس أمم إفريقيا 2023، كما طالبت الأوساط الرياضية والإعلامية بضرورة محاسبة مجلس اتحاد كرة القدم، لاستقدامه هذا المدرب الذي يتقاضى أكثر من مائتي ألف يورو شهريًا، ورغم ذلك خرجت مصر مبكرًا صفر اليدين، ويبدو أن «عقدة الخواجة» لم تنفك، على عكس ما جاء في إعلان شهير شارك فيه جميع لاعبي المنتخب ومدربهم البرتغالي قبيل انطلاق البطولة، وتعلقت بهم آمال ملايين المصريين.
الركراكي .. وغرور القوة
بالعودة إلى المغرب فقد تواصل لهث أسود الأطلس نحو نجمته القارية الثانية، وكان أشد المتشائمين لا يتوقع خروج المغرب مبكرًا، في ظل قيادة مدربه الشاب وليد الركراكي، الذي اكتسب شهرة عالمية بنتائجه في المونديال، وفوزه التاريخي على البرازيل وديًا، لكن يبدو أن العرس القاري أعاد أسوده إلى أرض واقع مرير عانوا منه منذ سنوات طوال.
ورغم أن الركراكي حذّر قبل انطلاق أمم إفريقيا في كوت ديفوار من أن الأمر لن يكون سهلًا، في ظل الظروف المناخية الصعبة، وكون منتخب بلاده مستهدفًا من جميع المنتخبات للإطاحة به، إذ بدا ذلك جليًا منذ المباراة الأولى التي وإن فاز بها بثلاثية نظيفة على تنزانيا، عانى من إهدار مهاجميه الكثير من الفرص السهلة، وقبل المباراة الأخيرة أطلق عدة تصريحات كانت سببًا في الهجوم الشرس عليه في وسائل إعلام عربية، فضلا عن وسائل التواصل، بعدما صرح بأنه يشارك ليس ممثلا للعرب ولكن للمغرب فقط، وأن عبرة توديع منتخبات عربية للبطولة على رأسها مصر، لا يعنيه ولا يهمه في شيء.
فشل المدرب أم اللاعبين؟
أحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى خروج المغرب خالي الوفاض من نسخة "كان 2023" بعد أن عقد عليها آمالا كبيرة، لرفع الكأس للمرة الأولى منذ 48 سنة، وشحن معنويات لاعبيه على أمل الظفر بلقب ثان تواليًا عندما يستضيف النسخة المقبلة في 2025، وتكرر المشهد ضد الكونغو الديموقراطية، فرغم افتتاحه التسجيل مبكرًا فشل في تعزيز الهدف، ما سمح لمنافسه بالعودة في النتيجة وفرض التعادل 1-1، ثم حقق فوزًا بشق الأنفس على تنزانيا.
ودفع الثمن غاليًا في ثمن النهائي أمام جنوب إفريقيا التي عكّرت صفو نجاحاته للمرة الثانية على التوالي، بعدما كانت المنتخب الأول والأخير الذي تغلب عليه عقب الإنجاز المونديالي في تصفيات النسخة الحالية 2-1.
الركراكي قال عقب اللقاء: "أعتقد أننا حصلنا على فرص لقتل المباراة في الشوط الأول ولم نفعل، حصلنا على ركلة جزاء كان من الممكن أن تغير مجريات المباراة، لكن للأسف اهدرها أشرف حكيمي قبل 5 دقائق من نهاية الوقت.. وفي هذا المستوى من المنافسة الفعالية أمام المرمى مهمة جدًا، هذه المجموعة ستتعلّم، عانينا الكثير من الغيابات والإصابات، وخصوصًا سفيان بوفال وحكيم زياش.. أنا لا أختبئ، الفشل اليوم هو للمدرب وليس للاعبين وأنا أتحمّل مسؤوليتي كاملةً".
ويضيف: "كنت مخطئا في بعض الاختيارات"، في إشارة إلى الدفع بظهير بايرن ميونيخ الألماني نصير مزراوي، العائد للتو من الإصابة، والذي كان أحد نقاط ضعف المغرب في المباراة.
أخطاء التشكيل
أخطاء في اختيار التشكيلة ركَّز عليها لاعب الوسط الدولي السابق يوسف شيبو في تحليله على شاشة "بي إن سبورتس" القطرية، بقوله إن "مزراوي لاعب كبير، لكنه لم يلعب منذ أكثر من شهر، فبالتالي لم يكن جاهزًا، كان الأجدر إشراك يحيى عطية الله، الجاهز والمعتاد على مواجهة جنوب إفريقيا، التي أغلب لاعبيها يمثلون صنداونز الذين واجههم كثيرًا مع فريقه الوداد البيضاوي".
ويضيف المحلل الرياضي: "يجب إعادة النظر في الدفع ببعض اللاعبين في التشكيلة، يجب إشراك لاعبينا الشباب الذين توجوا بلقب أمم إفريقيا تحت 23 سنة في المغرب، من أجل بث روح جديدة وتطوير الشق الهجومي للمنتخب".
وشاطره زميله في القناة نجم الكرة المصرية السابق محمد أبو تريكة، الرأي قائلا إن "منتخب المغرب يملك لاعبين رائعين سيكسرون الدنيا وسيفرضون سيطرتهم في المستقبل، كل ما يحتاجون إليه هو دعم صفوفهم والمدرب الركراكي، المجموعة لا ينقصها سوى مهاجم جيد، قادر على ترجمة الفرص، ولاعب وسط هجومي، رقم 8 مختلف يكمل أدوار عز الدين أوناحي وسفيان امرابط".
وتابع: "ليس لديكم مشاكل المنتخبات العربية الأخرى، فمصر مثلا لديها مشاكل كثيرة جدًا في المنظومة وفي كل شيء، والجزائر لديها مشاكل كثيرة وتونس أيضًا، لكن المغرب لا".
الركراكي تحدث عن مستقبله على رأس الإدارة الفنية لمنتخب المغرب، وهو الذي صرح عقب المونديال القطري بأنه سيستقيل من منصبه في حال عدم بلوغ نصف النهائي: "لا يمكن أن أقرر بخصوص مستقبلي الآن، وعقب هذا الخروج القاسي، سنعود إلى المغرب ونجلس مع رئيس اتحاد كرة القدم فوزي لقجع، ونرى الأفضل للمنتخب، وأنا ما زلت عند كلمتي مثلما تعرفونني لا أرجع فيها .. لدينا الوقت الكافي لاتخاذ القرار المناسب لمصلحة المنتخب".
وتوجه الركراكي إلى الصحفيين قائلا إن "الخروج ليس نهاية العالم، سواء أردتم ذلك أم لا، حدث ذلك مع العديد من المنتخبات المرشحة، سنعود بقوة رغم أننا ننتظر التتويج منذ فترة طويلة، هذه المجموعة تضم العديد من اللاعبين الشباب، وأنا متأكد من أنهم سيتوجون باللقب في المستقبل".
حارس المرمى البديل منير المحمدي، الذي كان أحد اللاعبين القلائل الذين تحدثوا إلى وسائل الإعلام عقب المباراة، حيث التزم الباقون الصمت والاستياء واضح عليهم، قال عقب لقاء جنوب إفريقيا: "لم يكتب لنا أن نواصل مشوارنا حتى النهاية، والتتويج باللقب الذي تنتظره جماهير المغرب، يجب أن نواصل العمل حتى نتمكن في المستقبل من حمل اللقب ورفع الكأس".
أما القائد رومان سايز فقال: "هناك محاور يجب تطويرها، ويجب أن نعمل ونتوقف عن ارتكاب أخطاء الماضي، إذا كنا نأمل في الذهاب بعيدًا والتحليق عاليًا".